في كل مرة تعود أزمة إحتجاز رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، في العاصمة السعوديّة الرياض، إلى الواجهة من جديد، تُطرح على الساحة المحليّة الكثير من الأسئلة حول الأسباب التي تدفع الحريري إلى الإستمرار في سياسة الدفاع عن المملكة، لا بل الإلتزام بالشروط التي تطلبها منه، لا سيّما في ما يتعلق بالتشكيلة الحكومية.
في هذا السياق، كان لافتاً أن يعمد الحريري، بعد ساعات من الكشف عن دور المستشار في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني في عملية إحتجازه، إلى الخروج بتصريح يدافع فيه عن الإجراءات التي قامت بها الرياض، بعد حادثة مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول، في حين كان من الأفضل أن يبتعد عن التعليق، خصوصاً أن معظم دول العالم لم تقتنع بالراوية التي قدمتها المملكة.
من وجهة نظر مصادر سياسيّة مطلعة، مواقف الحريري بعد عودته إلى لبنان، نتيجة الجهود التي قام بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، بالإضافة إلى المدير السابق لمكتبه نادر الحريري، كانت مفهومة، لناحية عدم الكشف عن حقيقة ما حصل معه، خصوصاً أن البلاد كانت على أبواب إنتخابات نيابيّة، لا يحتمل دخولها إنطلاقاً من خضّة كبيرة على الساحة السنيّة.
بالإضافة إلى ذلك، لم يكن رئيس الحكومة المكلّف قادراً على الدخول في مواجهة مع السعوديّة، في حين هي لا تزال تعتبر رقماً صعباً على المستوى الإقليمي، نتيجة الدعم الذي تحظى به من قبل الولايات المتحدة الأميركيّة، والتأييد الذي تبديه لها الكثير من العواصم العربيّة والإسلاميّة، وبالتالي كان بحاجة إلى البحث عن كيفيّة إعادة الثقة مع الحاضنة الإقليميّة التاريخيّة لتياره السياسي، التي بدورها لم تبادر إلى دعم أيّ شخصية منافسة له محلياً، لكن المصادر نفسها تستغرب موقفه اليوم، لا سيما أن ما حصل معه لم يعد سراً، بل بات حقيقة قاطعة يتمّ التداول بها على مستوى العالم وعلى أعلى المستويات، حتى ولو قرّر هو ألاّ "يَبُق" البحصة.
بالنسبة إلى هذه المصادر، "إهانة" الحريري، من قبل المسؤولين في السعوديّة، من المفترض أن تدفعه إلى إعادة حساباته، مع العلم أنها تشمل كل اللبنانيين، نظراً إلى أنه عند حصولها كان رئيساً للحكومة، كما أن حيثيّاتها لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، حيث الممكن أن تؤدي، إنطلاقاً من الأسباب الموجبة التي تمّ ذكرها في بيان الإستقالة، إلى فتنة مذهبيّة في البلاد، وتضيف: "عليه أن يبحث عن الحاضنة التي يريدها في مكان آخر".
في هذا الإطار، ترى المصادر السياسيّة المطّلعة أن تلك الحاضنة في الداخل اللبناني وليست في أيّ مكان آخر، من خلال سلسلة التفاهمات التي من الممكن أن يقوم بها مع مختلف الأفرقاء المحليين، من التسوية الرئاسيّة مع "التيار الوطني الحر"، التي أسقطت "الفيتوات" أمام عودته إلى السراي الحكومي، إلى "ربط النزاع" مع "حزب الله"، الذي يؤمّن الحد الأدنى من الإستقرار، وصولاً إلى إعادة تحصين الواقع على الساحة السنيّة نفسها، حيث تعتبر أن الأخيرة هي الركيزة التي يستطيع الإنطلاق منها.
في المحصّلة، تشدّد المصادر نفسها على أن أحداً لا يستطيع أن ينكر على الحريري تمثيله ودوره، لكن عليه أن يبادر إلى الخروج من "الدوّامة" التي يضع نفسه بها، وليس هناك ما يمنع أن تكون التشكيلة الحكومية الخطوة الأولى على هذا الطريق، في ظلّ الآمال المعقودة عليها للخروج من الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة الصعبة التي تمرّ بها البلاد، وتضيف: "ثمن صمته عمّا حصل معه كبير جداً، وبالتالي عليه المبادرة بعيداً عن المغامرة قبل فوات الآوان".